الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***
هي ضربان: أحدهما: يطلب فعلا واحدا، والآخر: يطلب فعلين. فالأول أربعة أحرف ذكرها في قوله: بلا ولامٍ طالبا جَزْما... في الفعل هكذا بلَمْ ولَمَّا أما "لا" فتكون للنهي نحو: {لَا تَحْزَنْ} وللدعاء نحو: {لا تُؤَاخِذْنَا}. وأما "اللام" فتكون للأمر نحو: {لِيُنْفِقْ} والدعاء نحو: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}. ولذلك قال "طالبا" فشمل الأمر والنهي والدعاء، واحترز به من "لا" غير الطلبية وهي النافية والزائدة، ومن لام غير طلبية كاللام التي ينتصب المضارع بعدها. فأما "لا" فقال الشارح: تصحب فعل المخاطب والغائب كثيرا، وقد تصحب فعل المتكلم، فسوى بين المخاطب والغائب في الكثرة، ولم يفصل في المتكلم بين فعل الدعاء "وفعل" المفعول، وهو موافق لظاهر الكافية والتسهيل، وفصل بعضهم فقال: إذا بنى الفعل للمفعول جاز دخول "لا" عليه سواء كان لمتكلم أو لمخاطب أو لغائب، وإذا بنى للفاعل فالأكثر أن يكون للمخاطب ويضعف للمتكلم نحو: لا أعْرِفَن رَبْرَبا حُورا مَدَامِعُها والغالب نحو: "لا يخرج زيد". وأما "اللام" فتدخل على فعل المفعول مطلقا نحو: "لأعن بحاجتك ولتعن بحاجتي وليعن زيد بالأمر". وتدخل على فعل الفاعل مسندا إلى الغالب نحو: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ} وإلى المتكلم مشاركا نحو: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} أو مفردا كقوله في الحديث: "قوموا فلأصَلِّ لكم" وذكر الشارح: أن دخولها على مضارع الغائب والمتكلم كثير، وذكر في الكافية: أن دخولها على مضارع المتكلم قليل، لكن أكثر من دخول "لا". وأما مضارع المخاطب المبني للفاعل فدخولها عليه قليل استغناء بصيغة أفعل، قالوا: وهي لغة رديئة. وقال الزجاجي: هي لغة جيدة، ومن دخولها قراءة عثمان وأبي وأنس: "فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا". وقوله في الحديث: "لتأخذوا مصَافكُمْ". تنبيهات: الأول: زعم بعصهم أن أصل "لا" الطلبية لام الأمر زيدت عليها ألف فانفتحت، وزعم السهيلي: أنها لا النافية، والجزم بعدها بلام الأمر مضمرة قبلها، وحذفت كراهة اجتماع لامين في اللفظ وهما زعمان ضعيفان. الثاني: لا يفصل بين "لا" ومجزومها "بمعموله" إلا في ضرورة كقوله: .......................... ولا ذا حَقَّ قومِكَ تَظْلِمِ أراد: ولا تظلم ذا حق قومك. قال في شرح الكافية: وهذا رديء؛ لأنه شبيه بالفصل بين الجار والمجرور. انتهى. قال في التسهيل: وقد يليها معمول مجزومها "ولم ينبه على اختصاصه بالضرورة، وقد أجازه بعضهم في قليل من الكلام نحو: "لا اليومَ تضرِب زيدًا"". الثالث: في كلام ابن عصفور والأبدي ما يدل على جواز حذف "مجزومها" إذا دل عليه دليل "قالا" كقولك: "اضرب زيدا إن أساء" وإلا فلا، أي: فلا تضربه. قال في الارتشاف: ويحتاج إلى سماع. الرابع: حركة لام الطلب الكسرة، قال في التسهيل: وفتحها لغة. قلت: فتحها حكاه الفراء عن بني سليم، فحكي عنه مطلقا كما في التسهيل، وعنه تفتح لفتحة الياء بعدها، فظاهر هذا أنها لا تفتح إذا انضم ما بعدها نحو: "ليكرم" أو انكسر نحو: "لتأذن"، وعنه أيضا ما نص عليه في سورة النساء، وهو قوله: وبنو سليم يفتحونها إذا استؤنفت، يريد: أنهم لا يفتحونها إلا إذا لم يكن قبلها واو أو فاء أو ثم. الخامس: يجوز تسكين لام الطلب بعد الواو والفاء وثم، وتسكينها بعد الواو والفاء أكثر من تحريكها، وليس بضعيف بعد ثم، ولا ضرورة، خلافا لمن زعم ذلك. ومذهب الأكثرين أن تسكينها حمل على عين فَعِل، ورده المصنف بأن ذلك إجراء منفصل مجرى متصل، ومثله لا يكاد يوجد مع قلته إلا في الاضطرار، وهو عند رجوع إلى الأصل؛ لأن لهذا اللام الأصالة في السكون من وجهين؛ أحدهما: مشترك، وهو كون السكون مقدما على الحركة. والثاني: مختص، وهو أن يكون لفظها مشاكلا لعملها كما فعل بباء الجر. السادس: مذهب الجمهور أن لام الأمر لا تحذف إلا في الشعر، ومنع المبرد حذفها في الشعر أيضا وإن كان النحويون أنشدوا: مُحمدُ تَفْدِ نفسَك كلُّ نفسٍ فإنه لا يعرف قائله، ويحتمل أن يكون خبرا وحذفت الياء استغناء بالكسرة، وأجاز الكسائي حذفها بعد الأمر بالقول كقوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ}. وذكر في شرح الكافية: أن حذف لام الأمر وإبقاء عملها على ثلاثة أضرب: كثير مطرد، وهو حذفها بعد أمر بقول كالآية. وقليل جائز في الاختيار، وهو حذفها بعد قول غير أمر، كقوله: قلتُ لبوَّابٍ لديه دارُها... تِيذَنْ فإني حَمُوها وجارُهَا قال: وليس مضطرا؛ لتمكنه من أن يقول: ائذن، وليس لقائل أن يقول: إن هذا من تسكين المتحرك، على أن يكون الفعل مستحقا للرفع، فسكن اضطرارا؛ لأن الراجز لو قصد الرفع لتوصل إليه مستغنيا عن الفاء، فكان يقول: "تأذَن إني". وقليل مخصوص بالاضطرار، وهو الحذف دون تقدم قول بصيغة أمر ولا بخلافه، كقول الشاعر: فلا تَسْتَطِلْ مني بقائي ومُدَّتِي... ولكن يكنْ للخير منكَ نَصِيبُ وقال في التسهيل: ويلزم في النثر في فعل غير الفاعل المخاطب، وفي بعض النسخ مطلقا، خلافا لمن أجاز حذفها في "نحو": "قل له لِيفعل" وهو خلاف ما في الكافية وشرحها. وأما "لم" و"لما" أختها، فينفيان المضارع ويصرفان معناه إلى المضي وفاقا للمبرد وأكثر المتأخرين، لا لفظ الماضي إلى المضارع خلافا لأبي موسى ومَن وافقه، "وقد" نسب إلى سيبويه. ويختلفان في أمور: الأول: أن النفي بلم لا يلزم اتصاله اتصاله بالحال، بل قد يكون منقطعا نحو: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا}، وقد يكون متصلا نحو: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} بخلاف "لما" فإنه يجب اتصال نفيها بالحال. الثاني: أن الفعل بعد "لما" حذفه اختيارا، وهو أحسن ما تخرج عليه قراءة: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا}، ولا يجوز حذفه بعد "لم" إلا في الضرورة، كقوله: احفَظْ وديعتَك التي استُودِعْتَها... يَوْمَ الأعازِبِ إن وصَلْتَ وإن لَمِ الثالث: إن "لم" تصحب أدوات الشرط نحو "إن لم" و"لو لم" بخلاف "لما". الرابع: إن "لم" قد يفصل بينها وبين مجزومها اضطرارا، كقوله: ..................................... كأن لم سِوَى أهل من الوحش تُؤْهَلِ قال في التسهيل: وقد يلي لم معمول مجزومها اضطرارا، ولم يذكر ذلك في "لما". وقال في شرح الكافية وانفردت "لم" بأشياء: منها أن الفصل بينها وبين مجزومها اضطرارا، فهذا تصريح بانفراد "لم" بذلك، وفي الارتشاف: ولا يفصل بينها وبين معمولها إلا في الشعر. قلت: ذكر المصنف في باب الاشتغال من شرح التسهيل أن "لن" و"لم" و"لما" الجازمة لا يلي الاسم واحدا منها إلا في ضرورة، وحكمه حينئذ أن يضمر له على سبيل الوجوب فعل يفسره ما بعده كما قال: ظُنِنتُ فقيرا ذا غنًى ثم نِلتُه... فلم ذا رجاء ألقه غيرَ واهبِ فسوى بين الثلاثة في الفصل باسم الاشتغال للضرورة. الخامس: أن "لم" قد تلغى فلا يجزم بها، قال في التسهيل: حملا على "لا" وفي شرح الكافية: حمل على "ما" وهو أحسن "لأن ما" ينفي بها الماضي كثيرا، بخلاف "لا". وأنشد الأخفش على إهمالها: لولا فوارسُ من ذُهْل وأسرتهم... يوم الصُّليفاء لَمْ يُوفُون بالجارِ ولم يذكر ذلك في "لما". فإن قلت: فهل إهمال "لم" ضرورة أو لغة؟ قلت: نص بعض النحويين على أنه ضرورة، وقال في الكافية: وشذ، وفي التسهيل: وقد لا يجزم بها فلم يخصه بالضرورة، وصرح في أول شرح التسهيل بأن الرفع لغة قوم. تنبيهات: الأول: قال في التسهيل: ومنها "لم" ولما أختها، يعني من الجوازم، فقيد لما بقوله: "أختها" احترازا من "لما" بمعنى "إلا" ومن "لما" التي هي حرف وجود لوجود، وكذلك فعل الشارح، فقال: احترزت بقولي: أختها، من لما الحينية نحو: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا}، ومن "لما" بمعنى "إلا" نحو: "عزمت عليك لما فعلت" أي: إلا فعلت. المعنى: ما أسألك إلا فعلت "قوله: الحينية" هو على مذهب الفارسي. فإن قلت: فهلا قيد في النظم؟ قلت: لا يحتاج إليه؛ لأن التي بمعنى "إلا" يليها ماضي اللفظ مستقبل المعنى، والتي هي حرف وجود لوجود يليها ماضي اللفظ والمعنى، وقد ذكر ذلك في شرح التسهيل، فلا يحتاج إلى التقييد؛ لأنهما لا يليهما مضارع. الثاني: حكى اللحياني عن بعض العرب أنه ينصب بلم، وقال في شرح الكافية: زعم بعض الناس أن النصب بلم لغة؛ اغترارا بقراءة بعض السلف: "أَلَمْ نَشْرَحَ لَكَ صَدْرَكَ" -بفتح الحاء- وبقول الراجز: في أيّ يَومَى من الموت أفِر... أيَومَ لم يقدَرَ أم يوم قُدِر وهو عند العلماء محمول على أن الفعل مؤكد بالنون الخفيفة، ففتح لها ما قبله، ثم حذفت ونويت. الثالث: اختلف في "لما" فقيل: مركبة من لم وما، وهو مذهب الجمهور، وقيل: بسيطة. ثم انتقل إلى ما يطلب فعلين من الجوازم فقال: واجْزِمْ بإِنْ ومَنْ وما ومهما... أيٍّ متى أيانَ أينَ إِذْمَا وحيثما أنَّى وحَرفٌ إذْمَا... كإِنْ وباقي الأدوات اسْمَا هذه أدوات الشرط الجازمة، وهي كَلِمٌ وضعت لتعليق جملة بجملة تكون الأولى سببا والثانية مسببا. وهذه الكلم حرف واسم. فالحرف إن وهي أم الباب وإذما عند سيبويه، وذهب المبرد في أحد قوليه وابن السراج والفارسي إلى أنها ظرف زمان زيد عليها ما. قال في شرح الكافية: والصحيح ما ذهب إليه سيبويه، فعلى مذهب سيبويه تكون إذما كإن في "أنهما موضوعان" للتعليق المذكور من غير إشعار بأمر آخر. وعلى مذهب القائلين بأنها الظرفية تكون مشعرة بالزمان، ويجزم بها في الاختيار خلافا لمن خص ذلك بالضرورة. والاسم ظرف وغير ظرف، فغير الظرف من وما ومهما، فمن لتعميم أولي العلم، وما لتعميم ما تدل عليه وهي موصولة، وكلتاهما مبهمة في أزمان الربط، ومهما بمعنى ما ولا تخرج عن الاسمية خلافا لمن زعم أنها تكون حرفا، ولا عن الشرطية خلافا لمن زعم أنها تكون استفهاما، ولا تجر بإضافة ولا حرف جر بخلاف من وما، وقد وهم ابن عصفور فزعم أنه يجوز أن يدخل عليها حرف الجر، وذكر في الكافية وفي التسهيل أن ما ومهما مثل من في لزوم التجرد عن الظرفية مع أن استعمالهما ظرفين ثابت في أشعار الفصحاء من العرب، وأنشد أبياتا. قال ابنه بدر الدين: ولا أرى في هذه الأبيات حجة؛ لأنه يصح تقديرها بالمصدر. وقال الزمخشري: هذه الكلمة في عداد الكلمات التي يحرفها من لا يد له في علم العربية فيضعها غير موضعها ويحسب مهما بمعنى متى ما، ويقول: "مهما جئتني أعطيتك" وهذا من وضعه وليس من كلام واضح العربية في شيء، ثم يذهب فيفسر: {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ} بمعنى الوقف، فيلحد في آيات الله وهو لا يشعر، وهذا وأمثاله مما يوجب الجثو بين النظار في كتاب سيبويه، انتهى. واختلف في "مهما" فقيل: إنها بسيطة وإنها فعلى وألفها إما للتأنيث وإما "للإلحاق" وزال التنوين للبناء فهي على هذا من باب سلس، وقال ابن إياز: لو قيل: إنها مفعل تحاميا لذلك، لم أرَ به بأسا. وقال الخليل: مركبة من ماما الأولى للجزاء والثانية التي تزاد بعد الجزاء، فأبدلوا من ألف الأولى هاء كراهة التكرير. وقال الأخفش والزجاج ومن وافقهما: مركبة من مَهْ بمعنى اكفف وما الشرطية، وأجازه سيبويه. وأما "أي" فهي عامة في ذوي العلم وغيرهم، وهي بحسب ما تضاف إليه، فإن أضيفت إلى ظرف مكان كانت ظرف مكان، أو إلى ظرف زمان كانت ظرف زمان، أو إلى غيرهما لم تكن ظرفا، والظرف: مكاني وزماني. فالزماني: متى، وأيان، فمتى لتعميم الأزمنة، وأيان كمتى، وقد تستعمل في الأزمنة التي تقع فيها الأمور العظام، وكسر همزة أيان لغة سليم، وقرئ بها شاذا، والجزم بها محفوظ خلافا لمن أنكره، ولم يحفظه سيبويه لقلته. وأما المكاني: أين وحيثما، هما لتعميم الأمكنة، وأنَّى ذكروها في ظروف المكان بمعنى أين. وقال بعضهم: هي لتعميم الأحوال. تنبيهات: الأول: "قد" فهم من كلامه أن حيث وإذ لا يجزمان إلا مقترنين بما كما لفظ بهما، وأجاز الفراء الجزم بإذ وحيث دون ما، وأما غيرهما فقسمان: قسم لا تلحقه "ما" "وهو": مَنْ وما ومهما وأنَّى. وقسم يجوز فيه الأمران وهي: إن وأي ومتى وأين وأيان، وأجاز الكوفيون زيادة "ما" بعد من وأنى، ومنع بعض النحويين زيادتها بعد أيان، والصحيح ما تقدم. الثاني: ذكر في الكافية والتسهيل: أَنَّ "إِنْ" قد تهمل حملا على لو، كقراءة طلحة: "فَإِمَّا تَريْنَ" بياء ساكنة ونون مفتوحة، وإن متى قد تهمل حملا على إذا ومثل بها بحديث: "إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقوم مقامك لا يُسمع الناس". وفي الارتشاف: ولا تهمل حملا على إذا خلافا لمن زعم ذلك ويعني متى. الثالث: لم يذكر هنا من الجوازم إذا وكيف ولو. أما إذا فالمشهور أنه لا يجزم بها إلا في الشعر لا في قليل من الكلام ولا في الكلام إذا زيد بعدها ما، خلافا لزاعم ذلك، وقوله في التسهيل: وقد يجزم بإذا الاستقبالية حملا على متى يقتضي ظاهره جواز ذلك في قليل من الكلام، وقال في الكافية: وذَا في النثر لن يُسْتَعْمَلا وأما "كيف" فيجازى بها معنى لا عملا، خلافا للكوفيين، فإنهم أجازوا الجزم بها قياسا، ووافقهم قطرب. وأما "لو" فذهب قوم منهم ابن الشجري إلى أنها يجزم بها في الشعر، ورده المصنف في الكافية. وقال في التسهيل في آخر عوامل الجزم: والأصح امتناع حمل لو على إن، وقال في فصل: لو لم يجزم بها إلا اضطرارا، وزعم اطراد ذلك على لغة، فظاهره موافقة ابن الشجري ويتحصل فيه ثلاثة مذاهب، وذكر بعضهم أن من الجوازم "مهمن"، وقال قطرب: لم يحمل الجزم "بها" عن فصيح. فِعلَيْنِ يَقْتَضِينَ شرطٌ قُدِّما... يتلو الجزاءُ وجوابًا وُسِمَا يعني: أن كلا من أدوات الشرط تقتضي جملتين تسمى الأولى شرطا والثانية جزاء وجوابا أيضا. ويجب كون الأولى فعلية، وأما الثانية: فمنها "أيضا" أن تكون فعلية، وقد تكون اسمية، وسيأتي. فإن قلت: فلمَ قال "فعلين" ولم يقل جملتين؟ قلت: للتنبيه على أن حق الشرط والجزاء أن يكونا فعلين، وإن كان ذلك لا يلزم في الجزاء. تنبيهان: الأول: فهم من قوله: "يتلو الجزاء" أنه لا يتقدم، وإن تقدم على أداة الشرط شبيه بالجواب فهو دليل عليه، وليس إياه، هذا مذهب جمهور البصريين، وذهب الكوفيون والمبرد وأبو زيد إلى أنه الجواب نفسه، والصحيح الأول. الثاني: قد يؤخذ من قوله: "يقتضين" أن أداة الشرط هي الجازمة للشرط والجزاء معا لاقتضائها لهما، أما الشرط فنقل الاتفاق على أن الأداة جازمة له. وشذ المازني: فعنه في قول: إنه مبني هو وفعل الجزاء، وفي قوله: إنه معرب وفعل الجزاء مبني. وأما الجزاء ففيه أربعة أقوال: الأول: أن الأداة هي الجازمة له، قيل: وهو مذهب المحققين من البصريين وعزاه السيرافي إلى سيبويه، وذهب الأخفش إلى أن الجزم بفعل الشرط، واختاره في التسهيل، وقيل: بالأداة والفعل معا، ونسب إلى سيبويه والخليل، وقيل: بالجواز، وهو مذهب الكوفيين. وماضِيَيْنِ أو مُضارعَيْنِ... تُلفِيهِمَا أو مُتخالِفَيْنِ إذا كان الشرط والجزاء فعلين فلهما تسع صور؛ لأن الشرط له ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكون ماضي اللفظ أو مضارعا عاريا من لم ومصحوبا بها، والجزاء كذلك. والحاصل من ضرب ثلاثة في ثلاثة تسعة منها ثمانية تجوز في الاختيار وواحد مختلفين فيه، وهو أن يكون الشرط مضارعا، والجزاء ماضيا عاريا من لم، فمذهب الجمهور أنه لا يجوز إلا في الشعر، ومذهب الفراء والمصنف جوازه في الاختيار، واستدل المصنف بقوله صلى الله عليه وسلم: "من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر"، ويورد ذلك في أبيات لم يضطر قائلها إلى ذلك. ثم تلك الثمانية الجائزة في الاختيار منها راجح ومرجوح، فإن كونهما ماضيين وضعا أو بمصاحبة لم أحدهما أو كلاهما، أو مضارعين دون لم، أَوْلَى من سوى ذلك. وبَعْدَ ماضٍ رفعُك الجزا حَسَنْ... ورفعُه بعد مضارعٍ وَهَنْ يعني: أن الجزاء إذا كان مضارعا والشرط ماضيا جاز جزمه ورفعه، ومن الجزم قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ}. ومن الرفع قول زهير: وإن أتاه خليلٌ يوم مسغبة... يقول: لا غائبٌ مالي ولا حرِمُ ونص الأئمة على جوازه في الاختيار مطلقا، وزعم بعضهم أنه لا يجيء في الكلام الفصيح إلا مع كان. وقال بعض المتأخرين: لا أعلمه جاء في الكلام، وقد صرح الناظم بأن الرفع حسن. فإن قلت: فأي الوجهين أحسن؟ قلت: زعم بعض المتأخرين أن الرفع أحسن من الجزم، والصواب عكسه، وقال في شرح الكافية: الجزم مختار، والرفع جائز كثير. فائدة: اختلف النحويون في تخريج الرفع، فذهب سيبويه إلى أنه على تقدير التقديم وجواب الشرط محذوف، وذهب الكوفيون والمبرد إلى أنه على تقدير الفاء وهو الجواب، وذهب قوم إلى أنه ليس على التقديم والتأخير، ولا على حذف الفاء، بل لما لم يظهر لأداءة الشرط تأثير في فعل الشرط؛ لكونه ماضيا ضعف عن العمل في الجواب. وإذا كان الشرط والجزاء مضارعين وجب جزمهما نحو: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}. وقد يجيء الجواب مرفوعا والشرط مضارع مجزوم كقوله: يا أقرعُ بن حابس يا أقرعُ... إنك إن يُصرَعْ أخوك تُصرَعُ وإليه الإشارة بقوله: "ورفعه بعد مضارع وهن" أي: ضعف. فإن قلت: فهل يطرد أم يخص بالضرورة؟ قلت: نصوا على أنه ضرورة، وهو ظاهر كلام سيبويه، فإنه قال: وقد جاء في الشعر. وقال ابن الأنباري: في "إن تزرني أزرك" الاختيار الجزم، وإنما يحسن الرفع هنا إذا تقدم ما يطلب الجزاء قبل "إن" كقولهم: "طعامك إن تزرنا نأكل" وتقديره: طعامك نأكل إن تزرنا. انتهى. وصرح في بعض نسخ التسهيل: أنه ضرورة، وفي بعضها بقتله، ولم يخصه بالضرورة، وقال في شرح الكافية: وقد يجيء الجواب مرفوعا والشرط مضارع مجزوم، ومنه قراءة طلحة بن سليمان: "أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ". تنبيهات: الأول: اختلف في تخريج الرفع بعد المضارع، فذهب المبرد إلى أنه على حذف الفاء مطلقا، وفصل سيبويه بين أن يكون قبله ما يمكن أن يطلبه نحو: "إنك" في البيت، فالأولى أن يكون على التقديم والتأخير، وبين أن يكون قبله ما يمكن أن يطلبه، فالأولى أن يكون على حذف الفاء، وجوز العكس، وقيل: إن كانت الأداة اسم شرط فعلى إضمار الفاء، وإلا فعلى التقديم والتأخير. الثاني: أطلق في قوله: بعد مضارع، وقيد في بعض نسخ التسهيل بألا يكون منفيا بلم، وجعل رفع الجزاء بعد المنفي بلم كثيرا؛ لرفعه بعد الماضي. الثالث: قد يظهر من قوله: "رفعك الجزا" موافقة المبرد في أنه على تقدير الفاء لتسميته جزاء، ويحتمل أن يكون سماه جزاء باعتباره حالة الجزم وإن لم يكن جزاء إذا رفع. واقْرُنْ بفا حَتْمًا جوابا لو جُعِلْ... شرطا لإِنْ أو غيرها لم يَنْجَعِلْ أصل جواب الشرط أن يكون فعلا صالحا لجعله شرطا، فإذا جاء على الأصل لم يحتج إلى فاء يقترن بها، وذلك إذا كان ماضيا متصرفا مجردا من قد وغيرها، أو مضارعا مجردا أو منفيا بلا ولم. قال الشارح: ويجوز اقترانه بها، فإن كان مضارعا رفع، وذلك نحو قوله تعالى: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} وقوله تعالى: {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا}. انتهى. وهو معترض من ثلاثة أوجه: الأول: أن قوله: "ويجوز اقترانه بها" يقتضي ظاهره أن الفعل هو الجواب مع اقترانه بالفاء. والتحقيق حينئذ أن الفعل خبر مبتدأ محذوف، والجواب جملة اسمية، قال في شرح الكافية: فإن اقترن بها فعلى خلاف الأصل، وينبغي أن يكون الفعل خبر مبتدأ، ولولا ذلك لحكمنا بزيادة الفاء وجزم الفعل إن كان مضارعا. وقال الشيخ أبو حيان: ولو قيل: ربط الجملة الشرطية بالمضارع له طريقان: أحدهما: بجزمه، والآخر: بالفاء ورفعه، لكان قولا. والثاني: أن ظاهر كلامه جواز اقتران الماضي مطلقا، وليس كذلك، بل الماضي المنصرف المجرد على ثلاثة أضرب: ضرب لا يجوز اقترانه بالفاء، وهو ما كان مستقبلا معنى ولم يقصد به وعد أو وعيد نحو: "إن قام زيد قام عمرو". وضرب يجب اقترانه بالفاء، وهو ما كان ماضيا لفظا ومعنى نحو: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} وقد معه مقدرة. وضرب يجوز اقترانه بالفاء، وهو ما كان مستقبلا معنى وقصد به وعد أو وعيد نحو: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ}. وقد نص المصنف على هذا التفصيل في شرح الكافية. والثالث: أنه مثل ما يجوز اقترانه بالفاء بقوله تعالى: {فَصَدَقَتْ} وليس كذلك، بل هو مثال الواجب، وإذا كان الجواب لا يصلح لأن يجعل شرطا وجب اقترانه بالفاء؛ ليعلم ارتباطها بالأداة. وذلك إذا كان جملة اسمية أو فعلية طلبية، أو فعلا غير متصرف أو مقرونا بالسين أو سوف أو قد منفية بما أو لن أو إن، أو يكون قسما أو مقرونا برب. فهذه الأجوبة تلزمها الفاء؛ لأنها لا يصلح جعلها شرطا، وخطب التمثيل سهل. وقد تحذف الفاء الواجب ذكرها للضرورة كقوله: مَنْ يفعلِ الحساتِ اللهُ يشكرها................................ وقال الشارح: لا يجوز تركها إلا في الضرورة أو ندور، ومثل الندور بما أخرجه البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: "فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها"، وعن المبرد إجازة حذفها في الاختيار، وقد جاء حذفها وحذف المبتدأ في قوله: بني ثُعَل من ينكَعِ العنزَ ظالم فإن قلت: ما هذه الفاء التي في جواب الشرط؟ قلت: هي فاء السبب الكامنة في نحو: "يقوم زيد فيقوم عمرو" وتعينت هنا للربط لا للتشريك، وزعم بعضهم أنها عاطفة جملة على جملة، ولا تخرج عن العطف، وهو بعيد. وتَخْلُفُ الفاءَ إِذَا المفاجَأَهْ... كإِنْ تَجُدْ إذا لنا مُكَافَأَهْ يعني: أن إذا المفاجأة قد تقوم مقام الفاء وتخلفها في الربط ولا يكون ذلك إلا في الجملة الاسمية. وقد فهم من قوله: "وتخلف الفاء" فائدتان: الأول: أن الربط بإذا نفسها خلافا لمن ذهب أن الربط بألف مقدرها قبلها. والثانية: أنه لا يجوز الجمع بين الفاء وإذا في الجواب، وإن كان ذلك جائزا في غيره؛ لكونها نائبة عنها كما نص عليه بعض النحويين. فإن قلت: أطلق في قوله: "تخلف الفاء" وإنما يكون ذلك في الجملة الاسمية، لا مطلقا، بل بثلاثة شروط: الأول: ألا تكون طلبية نحو: "إن عصى زيد فويل له". والثاني: ألا يدخل عليها أداة نفي نحو: "إن قام زيد فما عمرو بقائم". والثالث: ألا يدخل عليها إن نحو: "إن قام زيد فإن عمرًا قائم". فكل ذلك لا بد له من الفاء، وذكر الثلاثة في الارتشاف. قلت: مثاله يرشد إلى أن ذلك في الجملة الاسمية "وأيضا فقد تقرر أن إذا الفجائية لا تليها غالبا إلا الجملة الاسمية"، فلم تحتج إلى التنبيه عليها لوضوحه. وأما الشروط فمثاله قد حازها إلا أنه ليس في كلامه ما يدل على اشتراطها، وقد ذكر الأول في التسهيل. فإن قلت: ظاهر كلامه أن "إذا" يربط بها بعد "إن" وغيرها من أدوات الشرط، وفي بعض نسخ التسهيل: "وقد تنوب بعد إن إذا المفاجأة عن الفاء" فخصه بإن. قلت: نصوص النحويين على الإطلاق. قال الشيخ أبو حيان: ومورد السماع إن، وقد جاءت بعد إذا الشرطية كقوله تعالى: {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}. والفِعْلُ من بعد الجزَا إن يَقْتَرِنْ... بالفا أو الواو بتَثْليثٍ قَمِنْ إذا أخذت أداة الشرط جوابها، وذكر بعده مضارع مقرون بالفاء أو الواو جاز جزمه عطفا على الجواب ورفعه على الاستئناف ونصبه على إضمار أن، وقرئ بالثلاثة قوله تعالى: {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ} فالنصب يروى عن ابن عباس، وإنما جاز بعد الجزاء لأن مضمونه لم يتحقق وقوعه فأشبه الواقع بعده الواقع بعد الاستفهام. تنبيه: قوله: "من بعد الجزا" يشمل المجزوم وغيره، وقول الشارح: إذا كان بعد جواب الشرط المجزوم يوهم أن الجزم شرط في جواز الأوجه الثلاثة، وقد قرئ بالثلاثة قوله تعالى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ}. وجَزْمٌ أو نَصْبٌ لفعل إِثْر فَا... أو واوٍ إِنْ بالجملتَيْنِ اكتُنفا إذا وقع المضارع المقرون بالفاء أو الواو بين الشرط وجوابه جاز جزمه عطفا على فعل الشرط ونصبه بإضمار إن، وامتنع الرفع إذ "لا يصح" الاستئناف قبل الجزاء. تنبيه: ألحق الكوفيون ثم بالفاء والواو، فأجازوا النصب بعدها، واستدلوا بقراءة الحسن: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ}، وزاد بعضهم أو. والشرطُ يُغني عن جواب قد عُلم... والعكس قد يأتي إِنِ المعنى فُهم مثال حذف الجواب للعلم به استغناء بالشرط قوله تعالى: {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} تقديره -والله أعلم: تطيرتم، وهو كثير، ومثال عكسه قول الشاعر: فطلِّقْهَا فلست لها بكُفْءٍ... وإلا يَعْلُ مِفْرقك الحسامُ أي: وإلا تطلقها. تنبيه: فهم من النظم فوائد: الأولى: أن ما لم يعلم من شرط أو جواب؛ لكونه لا دليل عليه لا يجوز حذفه، وذلك واضح. والثانية: أن حذف الشرط أقل من حذف الجواب؛ لقوله: "لقد يأتي" فإن قد هنا للتقليل، وقد نص على ذلك في شرح الكافية. والثالثة: أنه لا يشترط في حذف الشرط أن يكون مع إن، وفي الارتشاف: لا أحفظ إلا في إن وحدها. وقال الشارح: حذفه بدون إن قليل، وحذفه معها كثير، وأنشد على حذفه مع غيرها: مَتَى تُؤخَذُوا قَسْرًا بظِنَّةِ عامرٍ... ولا ينجُ إلا في الصِّفَادِ يَزِيدُ أراد: متى تثقفوا تؤخذوا. والرابعة: أنه لا يشترط في حذف فعل الشرط تعويض لا من الفعل المحذوف خلافا لابن عصفور والأبدي فإنهما قالا: لا يجوز حذف فعل الشرط في الكلام إلا بشرط تعويض لا من الفعل المحذوف. وقال في الارتشاف: قولهما ليس بشيء. انتهى. وقد حذف وهو مثبت في نحو قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ}. قلت: وفي بعض نسخ التسهيل: وكذا الشرط المنفي بلا تالية إن فظاهره اشتراط الأمرين. تنبيهان: الأول: قال في التسهيل: ويحذفان بعد إن في الضرورة، يعني الشرط والجزاء. كقوله: .................................................... قالت وإننْ وفي كلام بعضهم ما يدل على جوازه في الاختيار على قلة. والثاني: لا يجوز حذف إن ولا غيرها من أدوات الشرط خلافا لمن جوز ذلك في إن. قال: ويرتفع الفعل بحذفها، وجعل منه. وإنسانُ عيني يحسرُ الماءُ تارة... فيبدو..................... وهو ضعيف. واحذِفْ لدى اجتماعِ شرطٍ وقَسَمْ... جَوَابَ ما أخَّرْتَ فهو مُلْتَزَمْ القسم كالشرط في احتياجه إلى جواب إلا أن جوابه مؤكد باللام أو إن أو منفي، فإذا اجتمع الشرط والقسم حذف جواب المتأخر منهما استغناء بجواب المتقدم، مثال تقدم الشرط: إن قام زيد والله أكرمه، ومثال تقدم القسم: "والله إن قام زيد لأكرمنه". هذا إذا لم يتقدم عليهما ذو خبر، فإن تقدم جعل الجواب للشرط مطلقا وحذف جواب القسم تقدم أو تأخر، وقد نبه على ذلك بقوله: وإن تَوَاليَا وقبل ذُو خَبَرْ... فالشرطُ رَجِّحْ مطلقا بلا حَذَرْ مثال ذلك: "زيد والله إن يقم يكرمك" و"زيد إن يقم والله يكرمك" فجواب القسم محذوف في المثالين استغناء بجواب الشرط. وإنما جعل الجواب للشرط مع تقدم ذي خبر؛ لأن سقوطه مخل بمعنى الجملة التي هو منها، بخلاف القسم، فإنه مسوق لمجرد التأكيد. والمراد بذي الخبر ما يطلب خبرا من مبتدأ أو اسم كان ونحوه. تنبيه: وقوله: "رجح" يقتضي أن ذلك ليس على سبيل التحتم، فعلى هذا يجوز أن يجعل الجواب للقسم المتقدم مع تقدم ذي خبر كما ذكر ابن عصفور وغيره، ونص في الكافي والتسهيل على أن ذلك على سبيل التحتم، وليس في كلام سيبويه ما يدل على التحتم. ثم قال: ورُبَّما رُجِّحَ بَعْدَ قَسَم... شَرْطٌ بلا ذي خَبَرٍ مُقَدَّم هذا مذهب الفراء. أجاز جعل الجواب للشرط المتأخر وإن لم يتقدم ذو خبر، وتبعه المصنف مستشهدا بقول الأعشى: لئن مُنِيتَ بنا عن غِبِّ مَعْرَكةٍ... لا تُلْفِنَا عن دماءِ القومِ ننفتل وأبيات أُخَر، ومنع ذلك الجمهور وتأولوا البيت ونحوه على جعل اللام زائدة، وجعل الزمخشري قوله تعالى: {مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ} جواب الشرط في قوله: "لئن". قال في شرح الكافية: فتثبت المزية للشرط من ثلاثة أوجه: أحدها: لزوم الاستغناء بجوابه عند تقدم ذي خبر. والثاني: لزوم الاستغناء بجوابه عند تقدمه وعدم تقدم ذي خبر. والثالث: جواز الاستغناء بجوابه عند تأخره وتقدم ذي خبر. تنبيهات: الأول: أطلق في قوله: "واحذف لدى اجتماع شرط" وقيده في التسهيل بغير الامتناعي احترازا من نحو: لو ولولا؛ لأنه يتعين الاستغناء بجوابهما تقدما على القسم أو تأخرا كقوله: فأُقْسِم لو أندى الندِيُّ سوادَه... لَمَا مَسَحَتْ تلك المسالاتِ عامرُ وكقوله: والله لولا الله ما اهتدينا......................... وقد نص على ذلك في الكافية أيضا، وهو الصحيح، وذهب ابن عصفور إلى أن الجواب في ذلك للقسم؛ لتقدمه، ولزوم كونه ماضيا؛ لأنه مغنٍ عن جواب لو ولولا، وجوابهما لا يكون إلا ماضيا، وقوله في باب القسم في التسهيل: "وتصدر -يعني جملة الجواب- في الشرط الامتناعي بلو أو لولا يقتضي أن لو ولولا وما" دخلتا عليه جواب القسم، وكلامه في الفصل الأول من باب عوامل الجزم يقتضي أن جواب القسم محذوف استغناء بجواب لو ولولا، والعذر له في عدم التنبيه هنا على لو ولولا أن الباب موضوع للشرط غير الامتناعي فلم يشملهما كلامه. والمغاربة لا يسمون "لولا" شرطا ولا "لو" إلا إذا كانت بمعنى إن. الثاني: إذا تأخر القسم وقرن بالفاء وجب جعل الجواب له، والجملة القسمية حينئذ هي الجواب. وقوله في الكافية: وبجواب القسم أغنى إن وصل بالفاء. وفي التسهيل أيضا: فيغني جوابه، يوهم أن جواب الشرط محذوف، وليس كذلك. الثالث: أجاز ابن السراج أن تنوي الفاء فيعطي القسم المتأخر مع نيتها ما أعطيه مع اللفظ بها، فأجاز "إن تقم يعلم الله لأزورنك" على تقدير: فيعلم الله، ولم يذكر شاهدا. وينبغي ألا يجوز ذلك؛ لأن حذف فاء جواب الشرط لا يجوز عند الجمهور إلا في الضرورة. الرابع: إذا حذف جواب الشرط لم يكن الشرط حينئذ إلا ماضيا أو مقرونا بلم. قال في التسهيل: إلا قليلا. انتهى، وقد ورد في الشعر مضارعا مجردا من لم، ومنه: .............................. ولديكَ إِنْ هو يستزدكَ مَزِيدُ وأجاز ذلك الكوفيون إلا الفراء. الخامس: لم ينبه هنا على اجتماع الشرطين، فنذكره مختصرا. إذا توالى شرطان دون عطف فالجواب لأولهما، والثاني مقيد للأول كتقييده بحال واقعة موقعه، كقوله: وإن تَستغيثوا بنا إن تُذْعَرُوا تَجِدوا... منا معاقلَ عِزٍّ زَانَها كَرَمُ وإن تواليا بعطف فالجواب لهما معا، كذا قال المصنف، ومثل له بقوله تعالى: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ، إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا}. وقال غيره: إن توالَى الشرطان بعطف بالواو فالجواب لهما نحو: "إن تأتني وإن تحسن إليَّ أحسن إليك" أو بأو فالجواب لأحدهما نحو: "إن جاء زيد أو إن جاءت هند فأكرمه، أو فأكرمها" أو بالفاء، فنصوا على أن الجواب للثاني، والثاني جوابه جواب الأول، وعلى هذا فإطلاق المصنف محمول على العطف بالواو.
|